هي من احد قرى الجزيرة
وتقع في الجزء الجنوبي من الجزيرة
ويراسها ابونا العمدة محمد البشير
وبها كثير من الغرائب مثل شجرة يقال لها chan cheraجدتي الشجرة هذه أعطت
كراماتها وربما كرامات من جاءت هي تتبعهم لبقية أشجار منطقة البرياب.. فمن
المستحيل ان يقطع أحدهم شجرة وإن حاول أي شخص غريب عن المنطقة ولا يعرف
بهذا الأمر يسارع أهل البرياب بتحذيره، فالبعض يستجيب، والبعض الآخر بدافع
العناد يحاول قطع أو إزالة الأشجار فيحدث له ما لا تحمد عقباه فيعود لصوابه
بعد ان يكون (الفاس وقع في الراس). ربما أخذتني (حبوبتي الشجرة) بعيداً عن
متابعة سيرة أجدادي من آل بري المشهورين بكراماتهم، يقال إن جدنا الكبير
دعا لأبنائه وأحفاده بعدم الغنى حتى لا يطغوا.. فالمال فتنة، سألت خالتي
أمونة بت ود الحاج حول هذه الرواية فأكدتها لي بقولها (جدي دعا لينا وقال:
إن شاء الله لا غنى يفوّت ولا مرضاً يموّت) ويعني لا غنى فايت حدو حتى يطغى
صاحبه، ولا يمرض مرضاً يموت فيه ويقضي به أجله، قلت لها (لكن حكاية الغنى
والمال دي كان يفكها شوية.. يعني مالو لو دعا بالغنى والقناعة والشكر وعدم
البطر؟) قالت ضاحكة (نان يا بتي إتِ ماك عارفة أهلك كان غنوا غناياً فايت
مافي زولاً بقعد معاهم في حتة؟؟) سألتها: (يعني شنو)؟ فردت: (يعني بحوزوا
أي حاجة يكونوا هم بس فوق يا بتي فوق).. لم استرسل في سؤالها وآثرت ان أقف
عند هذه النقطة وأرجع بذاكرتي وأبحث عن مَن مِن أهلي البرياب اغتنى غنى
فاحشا فلم أجد أحداً بإستثناء عدد قليل، وهؤلاء فقدوا ثرواتهم لأسباب عديدة
لكنها لم تؤثر فيهم أو تنسيهم انهم سلالة ود بري السلالة الصالحة.. وكثير
من شبابنا يأتون للطريق بعد ان يبتعدوا عنه قليلاً لكنهم يعودون وهم أكثر
ايماناًوصدقاً وصلاحاً فدعوة جدنا لم تذهب سدى؛ فالبرياب تمتلئ بالخلاوي
والشيوخ والحفاظ ممن يحفظون كتاب الله قولاً وعملاً.. تقول أم هانئ بت
كمبال (جدودنا معروفين بالدين وبقولوا واحد من جدودنا الشرب الدين يعني
كملوا مرة واحدة إتِ ما سمعتي شن قالوا فيهو؟)، أجبتها قالوا شنو: قالت:
جدي الكبير الأولى
ما صحّ الكتاب في خلوة
سقاه الكريم المولى
وأبواتو البشيلو الحملة
ومما قيل في أولاد الشيخ الكبير:
أولاد ولدك الدارسين
وقاعدين فوق حدود الدين
أبوقبيلة مالو تنين
سمع الصيحة في الكاملين
قيل إن الشيخ شرف الدين الذي جاءت معه شجرتنا، وهو الشيخ شرف الدين ود
الشيخ عركي الذي حكينا عن نسبه، أراد ان يذهب الى العمرة ومعه عدد من
حيرانه فلم يجدوا وسيلة بعد ان وصلوا الى البحر الأحمر، فسأل الله ان يفتح
عليه فنظر الى شجرة بالقرب منه وخاطبها قائلاً (بقدرة الله شيلي الحيران
وديهم جدة) فأخذتهم الى هناك وعادت لتقف مكانها الذي ذهبت منه، وهذه إحدى
كرامات جدنا الشيخ شرف الدين الذي رفض بعد موته ان تقام عليه (بنية) أو
مظلة تكون علامة لقبره ومعلماً بارزاً يراه الناس ليتبركوا به، فبعد ان
جاءوا بالحديد والإسمنت والطوب وأكملوا البناء تطاير الطوب والحديد كأنما
بفعل قنبلة وإلى الآن بقايا الطوب وأعمدة الأسمنت شاهدة على هذه الحادثة،
ويمكن لأي شخص وهو قادم لقرية البرياب ان يراها، وكانت هذه رسالة واضحة لهم
بعدم تمييزه عن جدوده المدفونين بجواره دون علامة أو ظل، جدي لوالدتي علي
الجعلي ودبري أحد هؤلاء الصالحين كان مستجاب الدعوة يقرأ القراءن حتى قبل
وفاته بلحظات ودفنه بجوار جدوده الذين سبقوه الى الدار الآخرة، وبعد وفاته
اصبحنا نتشاكس على مسبحته وحجر تيممه وملابسه ومصحفه ونتلمس مكان جلوسه،
رحمه الله (ابوي الفكي)..لأهلنا البرياب مقولات حول بعض طبائعهم وعاداتهم،
وكانوا حينما يأتي الخريف ويتغير لون ماء النيل بفعل الطمي الكثير تتغير
طباع البعض وتصبح أقرب للحساسية المفرطة تجاه أي شئ، وأذكر ان بعض أهلنا
حينما يحتدم النقاش بين اثنين يقولون ضاحكين (خلاص البحر حمّر يا أولاد بري
ومكين)، لكن المعهود عنهم الطرافة والبساطة في كل شئ ولا يحملون حقداً
لأحد ويتعاملون بود غريب وثقة مفرطة مع أي شخص ولسان حالهم يقول (الفي
القلوب يحاسب عليهو رب القلوب لكن لينا بالظاهر)، وهذا يعني انهم يتعاملون
مع الشخص بظاهره ولا يبحثون عن دواخله ليحاسبوه عليها، وهذا يؤكد حسن
نواياهم ومحبتهم للآخرين.. وأكثر ما يميز أهلنا البرياب تلك الحميمية
الغريبة فهم غزيرو الدمع وسريعو البكاء في اللقاء وفي الوداع، يحبون
التجمعات (واللّمة)، يغطي بعضهم على البعض الآخر في حاجته ومرضه في أفراحه
وأتراحه.. ربما هذه المودة والمحنة أعطتها لهم أمنا الشجرة إذ جعلت فيهم
أجمل ما فيها.
تحكي لي أمونة بت ود الحاج حول سرعة إجابة دعاء جدودنا إذ كانوا سريعي
الإجابة ودعواتهم لا تبيت كما قالت، صمتت قليلاً واستدركت: (يا بتي أي زول
يدعي الله ربنا بجيب ليهو دعوته وزمان الناس كانت نظيفة وما بتاكل حق الناس
وما بترضى الحرام لكن هسي كتِر الربا والكضب وأكل الحرام في عشان كدي
المرض الشين انتشر في البلود).. وواصلت: (والناس حالها اتغير بقوا كعبين
وبدوروا حق الناس.. وكل زول داير لروحو وما شغلتو في غيرو.. لكن يا بتي
الله من فوق بسترنا وبصلاح أولاد بري يغمرنا ويدي كل زول الفي مرادو).. بت
ود الحاج امرأة من زمن آخر ترى في وجهها الصلاح والنور وتبتسم لك ابتسامة
تدخل الى قلبك دون استئذان فتشعر بالراحة والأمان وتمني النفس بأن لا تبتعد
عنها ففيها رائحة الأرض الطيبة وصدق أهلنا الصالحين.